واحزناه! واحرّ قلباه!
واحزناه! واحرّ قلباه!
عبد الله الطنطاوي *
تُرى.. هل كُتب على أدباء الشام، وعلمائها، ومفكريها، وشعرائها، وصحفّييها، أن يُقَتَّلوا، ويُعذّبوا، ويُشرَّدوا، على أيدي عصابة من الطغاة البغاة الذين يعيثون فساداً في ديار الشام منذ أربعة عقود، دون أن يجدوا من يردعهم، ويوقفهم عند حدّهم؟
لقد اغتالوا بالأمس القريب، السياسيّ الوطني المخلص لشعبه ووطنه: رفيق الحريري.
وكانوا اغتالوا قبله مؤسس حزبهم الأستاذ صلاح البيطار، ومدبّر انقلابهم: محمد عمران، ورفيق دربهم: كمال جنبلاط، والصحفي القدير: سليم اللوزي، وابن شيخ طائفتهم: أحمد سليمان الأحمد، وابن شاعر الشام في العصر الحديث (بدوي الجبل) الإذاعي الأديب اللامع: منير الأحمد، ونقيب صحفيي لبنان: رياض طه، والشهيدة بنان الطنطاوي، والشهيد نزار صباغ، وسواهم كثير..
وغيّبوا في السجون مئات العلماء والأدباء والأطباء والمهندسين والمحامين، والصحفيين، والكتّاب، والمفكرين، كالأساتذة المبدعين: عبد الودود يوسف، وإبراهيم عاصي، وعبد الله حكمت، ومحمود سويد، ومحمد عثمان جمال، وغيرهم كثير.
واختطفوا وقتلوا في وضح النهار، وتحت جنح الليل عشرات من أساتذة الجامعات، والعلماء، والأدباء، كالدكتور ممدوح جولحة، والشيخ عيروط، والعالم الدكتور عبد الرحيم الشامي، والدكتور زرنجي، والدكتور أدهم سفّاف، والمربي الكبير عبد القادر الخطيب، والمحامي أمين المصري وسواهم كثير.
وشردوا عشرات الآلاف، فيهم آلاف العلماء، والأدباء، والشعراء، والكتّاب، والمفكرين، والأطباء، والمهندسين، نذكر منهم: الشيخ علي الطنطاوي، والشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري، والدكتور عبد الرحمن الباشا، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ سعيد حوى، والشيخ طاهر خير الله، والشيخ عبد القادر عيسى والشيخ الدكتور عبد الله علوان، والشيخ أبو النصر البيانوني، والشاعر عبد القادر حداد ورجل الإدارة والتخطيط: عبد الحميد حنون، والمربي الكبير منذر كوجان... وهؤلاء كلهم قضوا نحبهم ودفنوا خارج وطنهم رحمهم الله تعالى..
ومن القادة السوريين الذين هاجروا من وطنهم، وماتوا ودفنوا في بلاد الله الواسعة: رئيس الجمهورية الشرعي الذي اغتصب الانقلابيون البعثيون الرئاسة منه: الدكتور ناظم القدسي، ورئيس الوزراء: رشدي كيخيا، ورئيس الوزراء الدكتور معروف الدواليبي، ومؤسس حزب البعث: ميشيل عفلق، والمؤسس الثاني للبعث: أكرم الحوراني وسواهم كثير..
أما الأحياء من هؤلاء المتميزين، فأكثر من أن يحصوا، وهم بالآلاف..
لقد قلنا يوماً: إن قتل العلماء نهج هذه المافيا، ولذلك لم نستغرب إقدامها على جريمة اغتيال الحريري بالأمس القريب، واغتيال فقيد سورية العالم المفكر الشيخ الدكتور محمد معشوق الخزنوي، واغتيال فقيد لبنان وفلسطين وسورية والصحافة والأدب: الصحفي المتميز الأستاذ سمير قصير خلال يومين متتاليين..
اختطف البغاة الآثمون العالم المفكر، والداعية المتنور الشيخ الدكتور الخزنوي من قلب دمشق، بعد عودته من رحلة خالصة لله وللوطن شعباً وأرضاً، والتقى عدداً من أبناء سورية الحبيبة الجريحة، من الإخوة السوريين، أكراداً وعرباً، ومنهم الأستاذ المحامي علي صدر الدين البيانوني، وبحضور عدد من الناس، وما كان يخطر على بال الشيخ الشهيد أن تكون رحلته هذه، ولقاءاته تلك، مسوغاً لاختطافه وقتله بعد عشرين يوماً من التعذيب، لمعرفة ما دار بينه وبين من التقاهم، وخاصة الأستاذ البيانوني، وما نظنُّ الجلادين فازوا منه بكلمة تحت السياط، فالشيخ صاحب مبدأ، وعصي على الطغاة والجلادين، ثم إنه لم يفعل ما يوجب الاختطاف والجلد والتعذيب والقتل، فهو داعية وحدة وطنية، ويرى أن وطنه في خطر، وأن المتسلطين عليه لا يهمهم ضياعه، كل ما يهمهم مصالحهم، والمليارات التي يسرقونها وينهبونها، ويبنون بها القصور، ويهربونها إلى البنوك الأوربية والأمريكية.. نعم.. والأمريكية، ولا تعجبوا وتصدقوا كذبهم وزعمهم أنهم ضد أمريكا وإسرائيل، فقد سقطت عن عوراتهم كل الأوراق التي كانوا يضعونها عليها..
أجل.. اختطفوا الشيخ الشهيد، وعذبوه، ثم قتلوه، ثم سلموا جثته الطاهرة إلى ذويه، وزعموا أنهم بريئون من دمه.. تمثيلية (بايخة) كرروها كثيراً من قبل، فقد اغتالوا الأستاذ أمين يكن وزعموا أنّ المسألة خلاف على قطعة أرض، وقتلوا الأستاذ أحمد المسالمة قبل شهر، ثم أمروا بعض أقربائه أن يزعموا أن وفاته طبيعية، حتى ولو كانت آثار التعذيب محفورة في جسمه حتى العظم.. يقتلون القتيل ويخرجون بجنازته..
وبعد اغتيال الشيخ الشهيد بيوم واحد، أقدموا على تفجير سيارة الكاتب والأديب والصحفي المتميز سمير قصير في بيروت، بعد أن ضاقوا بحركته، ونشاطه، وبكتاباته الفاضحة لهم، منذ اغتيال الحريري.. قتلوا سميراً، ليرهبوا به سائر الصحفيين الأحرار الذين قرروا أن يموتوا لتحيا أوطانهم، ولتنعم شعوبهم بالحرية، ولتحترم المبادئ التي يعيشون لها ومن أجلها.
ولكن هيهات، هيهات.. إننا – في رابطة أدباء الشام – ننعى إلى مفكري الأمة وأدبائها وعلمائها وصحفييها وقادتها الأحرار:
ننعى شهيد سورية الشيخ العلامة الدكتور محمد معشوق الخزنوي..
وننعى شهيد لبنان الأستاذ الصحفي القدير سمير قصير..
ننعى إليهم، وإلى شعوب الأمة، وأحرار العالم، هذين الرجلين العلمين، وندعوهم إلى الوقوف إلى جانب الشعبين المظلومين: الشعب السوري، والشعب اللبناني.. فإن محنتهما بهذه المافيا (السورية واللبنانية السورية) كبيرة، وخطيرة..
ندعو أبناء سورية ولبنان إلى رص الصفوف، ونسيان ما تزرعه مافيا (أسد وشركاه) بينهم من خلافات..
ندعوهم إلى اليقظة، والنهوض بشجاعة، في وجه هذه العصابة الآثمة، فالوطن في خطر.. الوطن في خطر يا سوريون يا لبنانيون.. بلاد الشام كلها في خطر، ما دامت هذه المافيا تتحكم بسورية ولبنان... وسورية ولبنان يستأهلان كل تضحية وكل فداء.
* رئيس رابطة أدباء الشام