عداء السامية لنا
خلال ثلاثين عاما من السلام
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري
في 26 مارس الحالي تكون قد انقضت ثلاثون سنة على توقيع اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية ، وفي حينه علق الرئيس السادات على التوقيع بقوله " لقد انتهى عهد المعاناة ". لكن إسرائيل لم ترد على السلام مع أكبر دولة عربية بسلام مماثل ، وعلى العكس ، فإنها على مدى ثلاثين عاما لم تتخل عن شبر من الجولان السورية ، ولا مزارع شبعا اللبنانية ، ولم تمنح الفلسطيننين شيئا أي شيء على الإطلاق سوى التهامها لمزيد من أرضهم وتهويد مدنهم وغرس المستوطنات والغزاة فيها ، وضربت عرض الحائط بكل المقررات الدولية مستهزئة بها . وخلال ثلاثين عاما من السلام شنت إسرائيل حربا بمعدل حرب كل أربعة أعوام ، وبلغ مجموع حروبها ثمانية : ثلاث حروب ضد الفلسطينيين ( قمع انتفاضة 1987 – وقمع انتفاضة عام 2000 – ومحرقة غزة في 2009 ) وشنت حربين على لبنان ( عام 1982 – وعام 2006 ) ، وشاركت في ضرب العراق سابقا ، ثم شاركت في تدريب القوات الأمريكية على حرب المدن عند الغزو ، وأخيرا شنت غارتين على السودان . وإذا كانت إسرائيل في ظل السلام تشن على بلدان المنطقة حربا كل أربعة أعوام ، فما الذي يمكن أن تفعله بنا في ظل الحرب ؟ . والسؤال الأهم في كل ذلك هو " الطبيعة الداخلية " التي تملي على تلك القاعدة الاستعمارية سلوكها . فإذا كانت إسرائيل تتذرع بقصص الصراع العربي الفلسطيني في كل ذلك ، فما الذي دفعها للمشاركة في عمليات عسكرية أمريكية في أوسيتيا بجيورجيا ؟! . وقد لخص إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق تلك الطبيعة حين صرح بقوله : " إسرائيل تضرب في أي مكان .. سواء أكان قريبا أم بعيدا . وما من مكان في العالم لا يمكن لإسرائيل أن تصل إليه " ! . هناك " طبيعة داخلية " لكل نبت ، وكل حيوان ، وكل إنسان ، وهناك طبيعة داخلية لإسرائيل بصفتها قاعدة استعمارية دورها الأساسي أن تضرب . ولا يمكن للعقارب ألا تلدغ ، لأنها بحكم تكوينها لا تعرف لا الطيران ، ولا العوم ، ولا شيء سوى اللدغ . وجزء كبير مما يحدث في دارفور والسودان يتعلق أساسا بالمساعي الإسرائيلية للسيطرة على منابع المياه التي تعيش عليها مصر ، ويتفق ذلك الهدف الإسرائيلي مع الأطماع الأمريكية في البترول المكتشف هناك حديثا . وفي العديد من أساطير شعوب العالم تشيع بصور مختلفة أسطورة الوحش الذي تحوله قبلة العاشقة إلي أمير جميل وتفك السحر عنه، وقد وقعت مصر اتفاقية مع الوحش بأمل أن تحوله قبلة السلام إلي ذلك الأمير الوسيم ، لكن ما يصلح حلا في الأساطير ، لا يصلح بالحتم كحل لمشكلات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي . وهكذا عندما حلت الذكرى الثلاثون لتوقيع معاهدة السلام لم تجد مصر ما تحتفل به ، ولم تر في المشهد سوى آثار الحرائق ودخان الحروب وجوا خانقا من التهديدات الإسرائيلية والأكثر من كل ذلك غياب أي أفق لحل فعلي لقضايا الأراضي العربية المحتلة ، ولقضية الشعب الفلسطيني . ولهذا صرح الناطق بلسان الخارجية المصرية إن الحكومة المصرية لن تقيم احتفالا بهذه المناسبة . المؤكد أن إسرائيل لم تستطع – بحكم تكوينها – أن تنتهز فرصة ثلاثة عقود من السلام لتثبت للشعوب العربية أن السلام فكرة تراودها، فلم تقدم أي شيء لذلك السلام ، وعلى العكس قوت شوكتها العدوانية ، وزاد بطشها ، وتضاعف أطماعها . والثمرة الوحيدة التي جنتها إسرائيل فعليا هي المزيد من كراهية الشعوب العربية لها ، والشعب المصري خاصة ، والشعور بأن تلك " الدولة " لن تغير سياستها التي كانت السبب في نشأتها وقيام كيانها في المنطقة غصبا وزورا . ومع ذلك كله يجد البعض الجرأة للحديث عن " عدائنا للسامية " ، بينما الأولى أن نتحدث عن " عداء السامية لنا " الذي لم يترك فرصة إلا ووجه ضرباته إلينا ، وها هو يصرح لنا الآن بأنه ما من مكان في العالم بعيد عن ضرباته !!