" وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ "

زهير سالم*

يود الفتى طول السلامة جاهدا .... فكيف ترى طولَ السلامة يفعل؟!!

وشاهد الحال يغني عن كثير من المقال . وإن الذين دمروا على أنفسهم فاندفعوا في طريق غير ذات الشوكة في وقت وجوب ، واستنفرتهم العير ، ولم تستنفرهم الدماء المسفوكة ظلما ولا الأعراض المنتهكة فجورا ، وخلبت عقولهم بغلة أبي سفيان وبجاده فاندفعوا كجلمود صخر حطه السيل إلى حيث كان ما نراه اليوم من ضياع مكانة وشتات أمر ، وقلة حيلة وحول ، وانكباب على الصغائر ، وانشغال عن معالي الأمور ، وفقدان أثر ، وضياع ذكر ، ودفع بالأبواب ، ونكران لدور ، وتغول الغيلان من أهل العرامة والجهل ، واستثمار المريبين في غياب صاحب الحق ، وضبابية الطريق ، واضطراب الحبل حتى استعصت الولادة وكاد الوليد الموعود ، لتعسر المخاض ، أن ينشب في بطن أمه فيقتلها ؛ هم الذين يخاطبون اليوم وقد حزب الأمر ، واربدّ بل اسود الأفق (( فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ))

شهادة ... نلقى الله عليها في ذكرى نصر المستضعفين ، بحق الذين فرطوا وضيعوا ، واجتهدوا وهم لم يحكموا شرائط الاجتهاد ، وتطببوا وهم لا يحسنون الطب ، وادّعوا ، وانتفخوا : (( فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )) وبأيديهم هم ما كان وليس بأيدي الآخرين ، كل الآخرين ...

هؤلاء الذين دعا عليهم رسول الله ، صلى الله وسلم على رسوله ، وقد أفتوا المأموم ( المشجوج ) بما لا يعلمون فمات جراء فتواهم : قتلوه قتلهم الله . وهو إنسان فرد ؛فكيف بمن قتل بجهله وغروره وادعائه وتبجحه أمل أمة، وصادر تطلع شعب ؟!

" وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ..."

 

وتوارى المتدافعون انشغالا بلعاعات ، خطفت أبصارهم ، وخلبت عقولهم ، وغلبتهم على خياراتهم ؛ ولم يكن لها ... ، ونسوا أو تناسوا ما قاله الصادق المصدوق من قبل لسلفهم : يا معشر الأنصار : ( ألا ترضون أن يعود الناس بالشاء والبعير وتعودون برسول الله إلى رحالكم...) ، ولم تنفع الذكرى مع التكرار والإلحاح مع قوم آثروا حظهم في الشاة والبعير على حظهم في كتاب الله وسنة رسول الله ، وخيار حق قد اختاره الله لهذه الأمة من قبل ، فرغبوا عن خيار الله إلى خيارات نفوس لا أفق لها ، فقعدوا وأقعدوا، وتخاذلوا وخذلوا....

ونسوا : أن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها ...

وأنه لا يصلح لقيادة أمر الخاصة و العامة إلا صاحب همة عليّة ، يركب الخطر ، ويسوق جيشا إلى عمورية من أجل امرأة تستغيث ، وأنه كلما كانت النفوس كبار تعبت في مرادها الأجسام ، وأنها تصغر في عين العظيم عظامها وتعظم في عين الصغير الصغائر ...

خيار الله ( ذات الشوكة ) ، كان به عز بدر بعد ذلة ، ونصرها بعد قلة ، وكان من خيارهم الذي اختاروه لأنفسهم ، وفرضوه على غيرهم ، إنجازاتٍ ما زالوا يمنون بها على الناس ، يرددونها ويعددونها ويعقدون عليها الأصابع في المحافل ، ألمعها ما يعيشه شعبنا ...وما يعيث من غربان وبومان في أرضنا وديارنا ، وهم في ريبهم لا يترددون ، وفي ضلالهم لا يشكون ، ومن تخبطهم لا يملون ، ونضّر الله وجه عرابة:

 رأيت عرابة الأوسي يسمو...إلى الخيرات منقطع القرين

 أفاد محـامدا وأفاد مجـدا...وليس كجامـد لَحِزٍ ضنين

 إذا ما رايـة رفعت لمجـد...تلقفهـا عرابـة باليميـن

" وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ "

ومن خيارهم لغير ذات الشوكة ، طال ذيل أهل " الكفر " واستطار شرهم ، ذيل أهل الكفر بكل مفاهيمه ومعانيه ، بكل طبقاته وألوانه ، بل بأقبح صوره وأشكاله ، طال ذيل الكفر الذي يقتل ويدمر ويعتدي وينتهك ، وطال ذيل الجهل الذي يغلو ويفجر ويشوه و يجر الجرائر ، ويعطي الذرائع ، ويجرجر الناس في بنيات الطريق ، ويجور بهم عن قصد السبيل (( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ )) ، ويتقحم بهم ( السبل ) و (( لاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ )) ، أو يقذف بهم في مهامه التيه، وبعض الناس في غفلتهم ساهون ، وعن حزم الأمر والأخذ بالجد معرضون ، وكأن مقاعد الحزم في الدنيا ، أرائك أهل الجنة يتفكه عليها المتفكهون ونسوا أن أرائك أصحاب رسول الله كانت صهوات خيل وهم كانوا عليها :

 كأنهمُ في ظهور الخيل نبتُ ربا ...من شِدة الحَزم لا من شَدة الحُزُم

هؤلاء المفرطون المضيعون ...

يشتكون إلى الله ..، أو يشكون الله ... ؟!!!

يشكون الله من بطء نصرٍ ... وقد علمنا وعلموا أن الله لا يخلف وعده (( فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ )) ، يشكون الله ... وقد أنبأهم من أول يوم : أن أول طريقه (( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ )) ، وأنه كتب عليهم ما هو كره لهم (( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ..))

 فلا والله ما خذلهم الله ولكنهم أنفسهم خذلوا ، وما تخلف عن نصرهم ولكنهم عن نصر أنفسهم وشعبهم ، ومن اغتصبوا أمره تخلفوا وقعدوا ، ونصر الله لا يُهدى لعاصٍ .. ولا يُهدى لمن يمكر السيء ، ولمن يغدر ويخلف ، ولمن يتقاعس ويفرّط وينشغل في النظر في عطفيه وتقليب أطراف ثوبه وبردته (( مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ..))

في ذكرى نصر المستضعفين يعود المستضعفون إلى ربهم ...

يا رب ..

والله ما جهلنا أمرك ، ولا تقاعسنا عنه ، ولا قعدنا عن جهاد ، ولا تثاقلنا إلى أرض ولكن ..تكاثر علينا المستضعِفون فغُلبنا على أمرنا وحالوا بيننا وبين أمرك ، حتى أصبحنا بين أن .... وأن .... فساء حالنا من حال ، وقرارنا من قرار ...، وعدنا بالشكوى إليك من ظالم لا يرحم ، ومتخبط إلى الرشد لا يهتدي

يا رب ..

وهذه دماء أهل الشام بين يديك شآبيب حتى ترضى.. وهذا عمرانهم خراب رغبة فيما عندك ؛ فإن تخاذل عن نصرتهم قوم ، وتشاغل عنهم آخرون ..فهم لم يشكوا لحظة في رحمتك وفي قدرتك وفي نصرتك ...

يا رب

" إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ .."

ونستغيث كما نبينا تحت العريش استغاث ، ونناشدك كما ناشدك ، يا رب حتى انكشف الإبطان ، وسقط الرداء : اللهم لا تهلكنا بإجرام المجرمين ، ولا بتخاذل المتخاذلين ، ولا بسفاهة السفهاء...اللهم إن لم تنصر فمن ينصر ؟! وإن تهلك فمن يحيي ؟! يا حي يا قيوم نسألك بمعاقد العز من عرشك يا عزيز ..

يا رب

 وفي الشام اليوم بكاء أطفال رضع ، ودعاء شيوخ ركع ، و نحيب ثكالى محتسبات صابرات ؛ أصوات من قلوب بلغت الحناجر ، وما ظنت إلا أنك ناصرها ومعينها ومؤيدها .. قلوب تسألك مددا من عندك ، يكشف الضر ويرفع الغمة ويفرج الكربة ، يرحم الشهيد ، ويفرج عن الأسير ، ويرد الشريد ، ويؤمن الخائف ويطعم الجائع وينزل السكينة ويحيي الطمأنينة وأنْ تولى أمر أهل الشام خيارهم من القادرين عليه ، والمحسنين فيه ...

يا رب أذلة مستضعفون يستغيثون ..

 يا حي يا قيوم يا عزيز يا جبار ... ونسألك بمعاقد العز من عرشك ، نسألك للشام عزا لا يرام ، وتمكينا لأهل الرشد يقطع دابر أهل الإجرام ، ويحسم الفساد ويكف شرّ أهل البغي والعناد ...

يا رب ..

 اعقد لأهل الشام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ، ويخذل فيه أهل كفرانك وعصيانك ، ويؤمر به بالمعروف ، وينهى عن المنكر ونسألك للشام وأهله تمام العافية ودوام العافية مع نصر قريب وفتح مبين وتمكين ظاهر ورشد لا يلابسه غي ...

يا رب نستغيث ونحن الكثير المستضعفون كما استغاث أولنا وقد كانوا قليلا مستضعفين ...!!

 فلا تخيب للكثير المستضعفين رجاء .. !!

يا رب نحن ما عرفنا غير سبيلك سبيلا ، ولا اتخذنا غير خيرتك خيارا ، فلا تقطع لنا أملا فقد سبق إلينا حسن وعدك أن جعلت نصرنا حقا عليك : (( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ))

يا رب المستضعفين ...

لا تهلكنا بأيدي الكافرين والمجرمين فقد وعدت ألا تجعل (( لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً )) . ولا تخذلنا بما فعل السفهاء منا ، وقد غلبونا على أمرنا؛ فإنا نبرأ من سفاهتهم إليك ، نبرأ من سفاهتهم إليك ، نبرأ من سفاهتهم إليك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ، ولكن عافيتك للشام وأهله أوسع ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية