فلسطين والقدس والأقصى على خطا الربيع العربي، وعلى شعوبنا أن تواجه أقدارها بعزيمة وتصميم

زهير سالم*

ما يحدث في فلسطين اليوم ، وما يحدث في القدس والأقصى ، تحديدا ، هو جزء لا يتجزأ مما يحدث لمسلمي الروهينغا في ( مينامار )، وما يحدث للمسلمين السنة في إيران ، وما يحدث في سورية والعراق ومصر وليبية واليمن والبحرين والمعركة مفتوحة على بقية الأقطار .

يجمع المشهد الموحد أولا وحدة العدو مثلث الأبعاد ، الذي بات يُغير على الأمة بخيله ورجله ، وبكل أدواته الدولية والإقليمية ؛ وفي كل الأقطار . كما يجمعه وحدة هدف هؤلاء الأعداء ، المتمثل في كسر إرادة الإنسان ، وامتهان كرامته بتجلياتها المعنوية والحسية المتمثلة في الإنسان نفسه الذي هو ( بنيان الله في خلقه ) ، بما يتعرض له من قتل وتعذيب وتشريد وامتهان ، والمتمثلة أيضا في كل المقدسات التي رفعت لتعظيم شعائر الله ، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك ثالث ثلاثة من متعبدات المسلمين وأماكن حجهم ...

لن ينفعنا اليوم ، ونحن نواجه حملة صهيونية متغولة لابتلاع المسجد الأقصى ،وبعد مراس دام قريبا من سبعة عقود مع هذا المحتل الغازي ، أن نستنجد بمجلس الأمن ، ولا بالدول التي نطلق عليها زورا (الكبرى ) ، والتي يصيبها غالبا مرض الرُّعاش والشلل ثم الصمم والبكم عندما يتعلق الأمر بقضايا المسلمين ..

ولن تنفعنا اليوم الاتصالات ، واللقاءات ، والقمم ، والبيانات والتصريحات والإدانات والاستنكارات ...

لن ينفعنا شيء من المعالجات التقليدية الباردة التي أدركنا جميعا ، وبعد تجارب سبعة عقود عقمها ، وعدم جدواها ، ولاسيما والسكين يقترب من الوريد ، والأقصى قبلة المسلمين اليوم يستنجد أنه في خطر .

إنه وبعد خمس سنوات من انطلاقة الربيع العربي ، يجب أن تكون الشعوب المسلمة قد استفادت الكثير من تجاربها في مقاومة الطغيان والانتقال بالدروس إلى مقاومة العدوان ..ومواجهة الأقدار بالأقدار هي واجب على أرض فلسطين بشكل خاص على الشعب الفلسطيني العربي المسلم أولا ، وعلى الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج ثانيا ، وعلى الشعوب المسلمة على محور طنجة – جاكرتا ثالثا . لتظل فلسطين قضية إسلامية عربية شآمية فلسطينية في امتحان الدفاع عنها تستبين سبيل المهتدين وسبيل المجرمين .

إن جميع هذه الشعوب مدعوة إلى تطوير وسائل مقاومتها العملية لنصرة القضية والإنسان والأرض و القدس والأقصى . المقاومة مطلوبة وفي كل موطن أو قطر بحسبه ، مستفيدين من تجارب الشعوب في تونس وفي ليبية وفي مصر وفي سورية وفي العراق وفي اليمن . ولا ينحرف عن بوصلة الأمة بشأن فلسطين والقدس الأقصى إلا ملحق زنيم . بل لا يتقاعس عن نصرة فلسطين والقدس والأقصى إلا منافق معلوم النفاق ، أو خائن طمس الله على قلبه ، وضرب غشاوة على عينيه .

إن أخطر شيء تقع فيه الشعوب العربية أن توازن بين أساليب الثورات فتقدم وتؤخر ، وترجح وتخطئ ، وتنسى أن من (فقه رد الصائل) أن يُرد بما يرتد به ، وليس الوقوف عند شعار رفع في بلد على أنه الحق كل الحق في كل ظرف .

التجربة السورية بكل معاناة السوريين وتداعيات ثورتهم ، والتجربة العراقية ، والمصرية والليبية والتونسية واليمنية ؛ تستحق الدراسة ، وأجمل ما في هذه التجارب إبراز قدرة هذه الشعوب على الصبر والثبات والتضحية والفداء ، ,ونخص بالذكر والتقدير التجربتين السورية والعراقية .نكون أو لا نكون هذا هو الشعار .. أفلا يستحق الأقصى والقدس وفلسطين ما تستحقه دمشق وحلب وبغداد والموصل من ثبات ورباط وفداء ..؟!

إن المجتمع الدولي بكل هيئاته ، لا يريد أن يفرض على نتنياهو حدا ينتهي إليه. وإن الاسترسال مع سياسات القضم على كل المستويات لن يترك من فلسطين لأهلها شيئا . وشعارات المقاومة بكل فصائلها لن تغني من الحق شيئا ، ولن تدفع عن الأقصى سوء أو شرا ..

 وإلى جانب استحضار حقيقة :

لا تسل عن سلامته ... روحه فوق راحته

قد بدلته همومه .. كفنا من وسادته

على الأرض الفلسطينية .

تبقى لاعتصامات المليونية الشعبية في الحواضر الإسلامية والعربية الكبرى ، وأمام سفارات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إحدى وسائل الضغط الحيوية لتعيد للقضية مكانتها على الأجندة الإنسانية والدولية. ولتفرض الحلول التي تصون حقوق الأمة وتحمي مقدساتها ، وتدعم جهود المقاومين من أبناء فلسطين الأحرار الأبرار ..

ثم إن إضراب العاملين في المطارات والموانئ في الحواضر العربية والإسلامية ، ومحاصرة هذه الموانئ سوف يشل حراكا اقتصاديا يقتات عليه غول الرأسمالية الجشع.

ورابعا إن دعم المقاومة الفلسطينية ، والصمود والثبات الفلسطيني ، بحيث يتحول كل فلسطيني على أرضه إلى مجند في مشروع الدفاع والحفاظ والبناء ، أمر لا يمكن أن ينسى ، وإننا لنستحيي أن نقول : لو كان أبناء يهود فيما يبذلون لمشروعهم لأبناء أمتنا أسوة وقدوة لكانت أمتنا بألف خير!!

لقد أسبغ الله على أمتنا العطاء ، وزاد في النعمة ، ليس للبطر والبغي والاستكبار ، وإنما هو نوع من إقامة الحجة ، والامتحان في أداء الأمانات (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) حكاما كنتم أو محكومين ، جماعات كنتم أو أفرادا .

إن استمراء شعوب أمتنا إلقاء المسئولية على حكامها فيه هروب من تحمل المسئولية الفردية والجماعية . وإن الدرس من الربيع العربي يجب أن يكون جامعا ومشجعا فهذا الربيع قد أطاح بالمستبد الرخو ( زين العابدين ) وأطاح بالمستبد الشرس ( القذافي ) وأطاح بالمستبد العجوز ( مبارك ) وها هو يهز بعنف شجرة المستبد القاتل بشار الأسد . وستكتمل فرحة الأمة عندما يأخذ شعبنا في فلسطين رايته باليمين ففلسطين والقدس والأقصى تستحق ..

وإذا ما راية رُفعت لمجد ... تلقفها عرابة باليمين

هذا الذي نستطيعه للقدس والأقصى وهو كثير وأكثر من كثير . ( والموت ولا المذلة ) و ( ما لنا غيرك يا الله ) .

ومن أحب أن يقول : نشجب ونستنكر وندين فلن ينزعج لقوله فيما نظن أحد..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية