الدولة التي نريد

د. أحمد محمد كنعان

مع انطلاقة ثورات (الربيع العربي) من تونس اواخر عام ٢٠١٠ وانتشار هذه الثورات في بقية ارجاء العالم العربي انتشار النار في الهشيم، ومع غلبة الشعارات الإسلامية التي برزت في هذه الثورات، ووصول بعض الحركات الإسلاميةالتي قادت هذه الثورات الى سدة الحكم، ثار جدل ساخن حول شكل الدولة الأنسب التي يمكن ان تجنبنا تكرار الكوارث التي عشناها في ظل الأنظمة الدكتاتورية التي ازالها الربيع العربي، فراح بعض  الثوار ينادي بدولة إسلامية تطبق الشريعة وتعيد مجد الخلافة الإسلامية ، فيما راح آخرون ينادون بدولة علمانية تفصل الدين عن الدولة ويرفضون بشدة قيام دولة اسلامية - ناهيك عن قيام دولة الخلافة - بحجة أن تسلط رجال الدين على الحكم و سوف يعرض المجتمع لإقامة ( محاكم تفتيش ) على غرار المحاكم التي شهدتها اوروبا في العصور الوسطى وتسلط فيها رجال الكنيسة على المجتمع،  وحكموا على آلاف الأرواح بالموت حرقاً بذريعة الهرطقة والخروج عن تعاليم الدين، 

وبين هؤلاء واؤلئك ، أي بين من يدعو الى دولة دينية او خلافة اسلامية وبين من يدعو الى دولة علمانية يشتد الحوار ويعلو الجدل، وتتعددالرؤى والاجتهادات، مما يدفعنا لطرح رؤيتنا للدولة المنشودة، على امل وضع نهاية لهذا الجدل، فنقول :

إننا نريد دولة مدنية لا عسكرية ،أي دولة يقودها مدنيون من  أصحاب الكفاءات ذوي الخبرة والاختصاص (تكنوقراط) لا دولة عسكرية كالتي تسلط فيها العسكر وأجهزة الأمن على البلاد فنشروا الرعب في كل مكان، وكتموا كل الأصوات الوطنية التي تنادي بالحرية والعدالة .  

نريدها دولة انتخابات لا دولة استفتاءات تفرض علينا الزعيم الأوحد لنقول له (نعم!) بحجة أن البلد تضيع من دونه!!!

نريدها دولة تتقي اللل عن رضا ، لا دولة دينية تفرض الدين على الناس بالقهر من خلال رجال دين يعتقدون لنفسهم العصمة، وأنهم يتحدثون نيابة عن الله ويسكتون كل صوت معارض ، بحجة أنه يخالف صاحب الشريعة سبحانه!

نريدها دولة إنجازات، لا دولة شعارات كما فعل الانقلابيون العقائديون من أمثال البعثيين الذين تسلطوا علينا وأتخمونا بالشعارات العريضة التي لم تزدنا إلا تخلفاً وتبعية وضعفاً

نريدها دولة القانون لا دولة الشخص، نريدها دولة يحكمها القانون، وتشيع فيها العدالة لكل المواطنين دون تمييز ، لا دولة يحكمها شخص الزعيم الأوحد الذي يعتقد لنفسه العصمة ، فلا يسمح لأحد أن يناقشه في ما يرى على طريقة فرعون ( لا أريكم إلا ما أرى ) و ( أنا ربكم الأعلى )، لا نريدها دولة الشخص الذي يحكم الوطن بمزاجه ونزواته وشهواته غير عابئ بقانون ولا ميزان، اللهم إلا ميزان مصالحه الشخصية !!!

نريدها دولة الديمقراطية لا دولة الفرمانات، نريدها دولة  ترجع إلى الشعب في كل ما يخص الشؤون العامة، ولا نريدها دولة فرمانات تفرض على الشعب دون مناقشة ولا رأي !!! 

نريدها دولة الحرية لا دولة القهر، نريدها دولة تفتح نوافذها للشمس ، دولة لا تضيق بالرأي الآخر ، دولة حرة بلا حدود

نريدها دولة الرجل والمرأة، نريدها دولة تنهي إلى غير رجعة ذلك التمييز النكد بين الرجل والمرأة الذي دفعت فيه المرأة ضريبة باهظة من حريتها وكرامتها وحقوقها - دون وجه حق - لصالح الرجل الذي عمل طويلاً على تشكيل المجتمع وفق منطق ذكوري يرى أنه هو الأصل وأن المرأة خلقت لخدمته وتحقيق نزواته وإشباع شهواته !!!

نريدها دولة المواطٓنة التي يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات دون تمييز بين مواطن وآخر تحت أية ذريعة، من دين أو مذهب أو عرق أو طائفة

وكلنا أمل أن يحقق ثورة الشام هذه الدولة المنشودة، لأن هذه الثورة التي مر على انطلاقتها خمس سنوات عجاف دون ان تتراجع او تضعف بالرغم من تكالب الأمم عليها، وبالرغم من التضحيات الجسيمة التي تعرضت لها، والتحديات الرهيبة التي تواجهها !!