سورية، ثلاثة أعوام على الاحتلال الأمريكي عامان على الاحتلال الروسي

زهير سالم*

محتلان والهدف واحد

في مثل هذه الأيام من ( الثالث والعشرين من أيلول ) عام 2014 ، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل تحالفها الدولي بدعوى حرب داعش . وطارت في غضون ساعات إلى العراق ثم سورية لاستنقاذ بضعة آلاف من أهل خاصتها من السوريين ، الذين قيل إن ( داعش) تحاصرهم وتخطفهم ، وفي فيلم هوليودي ، سيء الإخراج تبيعهم نساءهم بالمزاد ، أو تتسرى بهم .. 

وفي مثل هذه الأيام أيضا ( الثامن والعشرين من أيلول ) من عام 2015 ، قام المحتلون الروس بإنزال بحري وجوي على وطننا سورية ، ثم ليمارسوا خلال سنتين من تاريخ الاحتلال وحتى يوم أمس ، ومع شركائهم الأمريكيين ، كل ما مارسه البرابرة عبر التاريخ من قتل وتهجير وتدمير.

ومع إيماننا بقدر الله الغالب ، وبإرادة الشعوب التي هي من إرادة الله ، نبدأ بالقول ، ليس فخرا للولايات المتحدة الأمريكية ولا لحلفائها ، وليس فخرا للاتحاد الروسي ولا لأدواته من الإيرانيين أن يفخرا ، وهم  الدول الأعظم في العالم ، بالانتصار على شعب مستضعف ، خرج ثائرا ينشد حقه في الحرية والكرامة والإنسانية .

بل سيظل ما جنته دول الاحتلال على نفسها في هذه الحرب القذرة ، لطخة عار في تاريخها الإنساني والقومي ، يلحقها بمرتكبي المحارق البشرية ، وحروب الإبادة الجماعية الذين يجللهم الخزي والعار على مر التاريخ. وسيظل يقترن اسم أوباما وترامب وبوتين بأسماء من مثل النمرود وفرعون وذي نواس وجينكيز خان وهولاكو وهتلر وموسوليني وستالين وأكابر المجرمين في التاريخ البشري على المستويين الديني والمدني على السواء ..

لن نقدم هنا ثبتا بالإحصائيات الإنسانية المروعة لمخرجات الاحتلالين الأفظع في تاريخ القرن والعشرين . وسنترك للجمعيات ذات الاختصاص أن تتحدث عن أعداد المدنين من الرجال والنساء والولدان الذين اغتالتهم طائرات المحتلين ، وقذائفهم وأسلحتهم المحرمة دوليا . سنترك للجماعات المدنية أن تشرح  كيف تحولت المدارس والمساجد والمعاهد والمستشفيات والمخابز والأسواق إلى أهداف استراتيجية لأعتى آلة حربية في القرن الحادي والعشرين ..

وسنترك لخبراء القانون الدولي أن يقرروا حجم الجناية الإنسانية والقانونية المترتبة على تحويل المحتلين الروسي والأمريكي وحليفتهما إيران ، وطننا سورية (إنسانه وعمرانه ) إلى حقل تجريب لأسلحتهم الاستراتيجية . سنترك للخبراء الاستراتيجين أن يحصوا في سياق متسلسل كم التصريحات التي صدرت عن قادة تلك الدول يتفاخرون بتجارب أسلحتهم الناجحة ، ورواج سوقها بعد تجاربهم المجدية في لحم أطفال سورية .

ولن نكرر هنا معادا في الحديث عن الفزاعة ( داعش ) التي صنعوها ليقتلوا السوريين بذريعتها ، بعد أن ظهروا في المشهد الأخير يتبادلون حمايتها ، وتغطية انتقالها ، أو يتقاذفون الاتهامات بدعمها وتأييدها والحدب عليها .

لن نبدئ ونعيد في الحديث عن الكذبة الكبرى ( الحل السياسي ) الذي كتبوا بنوده بمداد من دم أطفال سورية المغلوبين ، بحسب حديث وكيلهم علينا السيد ديمستورا الرجيم ..

وإنما في الذكرى السنوية الثالثة والثانية للاحتلالين سنركز على نقطتين اثنتين : الأولى الطبيعة الطائفية المنغلقة للاحتلالين والمستهدفة للسواد العام للشعب السوري المتمثل في العرب المسلمين السنة ..

فالاحتلال الأمريكي الذي وجد بغيته في فئة من أقلية عرقية ، فراهن عليها. وربط مشروعه لإجهاض ثورة الشعب الحر الكريم بها . وهو لم  يفعل ذلك نكاية في شعب سورية فقط ، بل نكاية في الهوية السائدة في المنطقة أجمع . إمعانا في التحريش بين مكونات المنطقة ، على خطا بريمر ، صاحب مصطلح ( العرب السنة ) . إن مصطلح (العرب السنة) لم يكن مصطلحا عارضا على لسان مسئول عسكري ، وإنما كان تعبيرا عن استراتيجية راسخة في دفاتر أصحابها ومقرراتهم .

خلاصة الأمر أن الاحتلال الأمريكي وجد بغيته في التحالف  مع فصيل شيفوني مصنف إرهابيا في المعايير الدولية والأمريكية ، ينتمي إلى ما يعز علينا أن نصفه بالأقلية العرقية ، ضد السواد العام من شعب سورية ، وتطلعاته الجماعية المشروعة إلى العدل والحرية . هذا الاحتلال الذي تملص من تبعاته الكثيرون ، و الذي تتجسد مخاطره ومشروعاته اليوم على أمن ثلاث دول في المنطقة :تركية والعراق وسورية .

وعلى التوازي من الاحتلال الأمريكي المعتمد على جسم أقلوي لمواجهة متطلبات الحرية والكرامة لعامة الشعب السوري ، كان هناك الاحتلال الروسي الذي تأخر عاما كاملا عن الاحتلال الأمريكي ، في الإعلان عن نفسه . والذي كان في حقيقة الأمر سابقا له بمراحل .

كان الاحتلال الروسي هو الآخر يبحث عن مشروعيته تحت عباءة فئوية أقلوية ، ولكن إذا كان الخيار الفئوي الأمريكي قد نحا منحى طائفيا عرقيا ، فإن الخيار الفئوي الروسي قد نحا منحى فئويا مذهبيا ..

إن استعمالنا مصطلح ( فئوي ) في هذا السياق ليس ضربا من الحلية البيانية . إن الذي نريد من هذا المصطلح أن نبرأ عامة الكرد كما عامة العلويين من الانزلاق في مستنقع الخيانة والعمالة والإثم الذي انزلقت فيه الزمرة الأسدية من جهة ، ونظراؤهم من أدوات الأمريكي من جهة أخرى.

ولكي نقطع اللجاجة حول الطبيعة الفئوية الأقلوية الطائفية للاحتلال الروسي لسورية نحتاج إلى كتابة دراسة كاملة حول تصريحات قمة الهرم من صناع السياسة الروسية بوتين ولافروف الغارقة في الطائفية ، التي ادعت يوما حماية المسيحية ، وآخر حماية الأرثوذكسية ، وأكدت ثالثة بالفم الملآن أن الروس لن يسمحوا لأهل سورية ( السنة ) بحكمها . في تصريحات معلنة موثقة مؤرخة .

قلنا في البداية : احتلالان وهدف واحد ، وهكذا يتضح لنا وبالدليل ومن خلال التحالف الروسي – الإيراني – الأسدي : أن هدف الاحتلال الروسي كما الاحتلال الأمريكي هو سحق تطلعات الشعب السوري إلى العدل والحرية والكرامة الإنسانية ، في تحالف شرير ظل ينسق خطواته يوما بعد يوم لتحقيق هذا الهدف المريب .

أما النقطة الثانية التي يجب ألا نغفل عنها ، بل التي يجب أن نتحمل مسئوليتها التاريخية كشعب حي ، وكقوى وطنية مسئولة فهي أن المقاومة هي النقيض الجدلي للاحتلال . وبمعنى أكثر وضوحا : حيث يوجد الاحتلال يجب أن تولد فورا المقاومة . وإذا تخلفت أو تأخرت هذه الولادة ، فهذا مؤشر غير صحي يدلل على خلل عقدي أو بنيوي في أي جسم حي يجتاحه جسم غريب . ولو شوكة يشاكها المرء في أصبع قدمه .

وإذا كان أعداؤنا من المحتلين على اختلاف أصنافهم قد استباحوا في حربنا كل القيم الإنسانية ، والقوانين والأعراف الدولية ، فإن من واجب الشعوب المستضعفة أن تعلن التزامها بالقيم الإنسانية والقوانين الدولية ، وأن تتمسك بذلك عمليا ، فإن هذا سيزيد من قوتها ، وسيحشد الداعمين من أصحاب الضمائر الحية خلفها . وقد أعطت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية الحقوق كاملة للمستضعف المغلوب للدفاع عن نفسه  وعن عرضه وعن أرضه.

وحين نتحدث عن التلازم بين النقيضين : الاحتلال والمقاومة ، نتساءل بحق : لماذا غابت المقاومة العملية الهادفة عن الساحة السورية حتى الآن؟! مع مضي بضعة أعوام على وجود الغزاة على الأرض السورية ، وكانت بدايتهم عمليا ، مع وجود عصابات حزب الله ؟!  

ربما يكمن بعض الجواب في السياسات ( الاتقائية ) التي اتبعتها دول الإقليم المحسوبة على صداقة الشعب السوري . والتي ظلت حتى اللحظة تضن بصداقتها ، لأسباب تخصها ، مع كلا المحتلين على السواء .

ولكن السبب الأهم لتخلف مشروع المقاومة حتى اللحظة ، هو فقدان فصائل الثورة الحقيقية الرشاقة السياسية والعملياتية التي تؤهلها إلى تغيير استراتيجياتها وتكتيكاتها ووسائلها وأساليبها . فهذه الفصائل التي اندفعت منذ الأيام الأولى في طرق خاطئة ، حيث تم تكبيلها بالسيطرة على مدن وبلدات وقرى وقفار وتلال  وجبال ، لم تكن السيطرة عليها تغني من الحق شيئا ، تجد نفسها اليوم مضطرة إلى المرابطة في مثل هذه المواقع مع فقدان الجدوى وقلة الغنى .

فقدت الفصائل السورية منذ الأيام الأولى المرشد الناصح . بل إن بعض المحتلين كانوا عن طريق حلفائهم يرسمون للثوار الدوائر الحمر للمفاصل الحيوية التي لا يجوز لها مقاربتها ؛ حتى يهدروا طاقاتهم وقدراتهم في قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ..

بعد ثلاثة أعوام من الاحتلال الأمريكي ، وعامين من الاحتلال الروسي ، وبعد جملة المتغيرات العاصفة في الإقليم وعلى الأرض السورية ؛ ينتظر أن تمتلك الثورة السورية رؤيتها وآليتها لتتحول لحركة مقاومة شعبية تستهدف المحتل وقواه والظالم المستبد ومرتكزاته .

وعلى العاجزين عن مواكبة هذا التحول بكل استحقاقاته أن ينزاحوا من الطريق . وأن يتوقفوا عن أن يكونوا حجر عثرة في طريق المستضعفين. فالمستضعفون بحاجة إلى من يعينهم لا إلى من يعوقهم.

وإذا كانت قوى الاحتلال وقوى الصيال هدفا مشروعا لأي مقاومة فإن المدنيين السوريين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم هم خط أحمر في فقه الجادين من الثوار الحقيقيين.

لسنا في حرب أهلية وهذه حقيقة سنظل نتمسك بها . نحن في حرب مع المحتلين والغزاة ومع المستبد الظالم وأدواته من الذين يصولون علينا ويريدون بوطننا وشعبنا السوء.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية